واشنطن بوست: أزمة الخبز الطاحنة أكثر مظاهر الانهيار الاقتصادي بسوريا
كل صباح، يستيقظ أبو محمد وابناه الكبيران لصلاة الفجر بدمشق، ثم يتناوبون على المخبز، وينتظرون 3 ساعات على الأقل، وبالكاد يصلون إلى العمل أو المدرسة، وفي كثير من الأحيان، يغيب الأولاد عن فصولهم الدراسية الأولى، وفي بعض الأحيان يتغيبون عن الدراسة اليوم بأكمله.
ورد ذلك في تقرير بصحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post) قالت فيه إن أبا محمد ذكر لها في مقابلة عبر الهاتف “ذات يوم وقفت 7 ساعات. ورأيت أن عملي يتعرض للضرر.. أحتاج إلى العمل، أنا بحاجة للعيش”.
وقالت الصحيفة إن أبا محمد، الذي رفض الكشف عن اسمه بالكامل خوفا من مضايقات الأجهزة الأمنية، هو من بين عدد متزايد بسرعة من السوريين، الذين يقبعون في صفوف لا نهاية لها على ما يبدو.
انهيار اقتصادي
وأوضحت أن أزمة الخبز ربما تكون أكثر المظاهر وضوحا وألما للانهيار الاقتصادي في سوريا، إذ شهدت كمية الخبز المدعوم، التي يمكن لمعظم العائلات شراؤها، انخفاضا بمقدار النصف أو حتى أكثر، وتضاعفت الأسعار المدعومة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على الرغم من الوعود الرسمية في الربيع بأن ارتفاع أسعار الخبز كان “خطا أحمر” لن يتم تجاوزه.
وخارج المدن الكبرى، قد يكون الحرمان أسوأ، يقول التقرير. فالرجل الفقير الذي يعيش في القرية لم يعد لديه غاز؛ لديه خشب. وقال أحد سكان مدينة طرطوس الساحلية إن السوريين يأكلون الخبز مع كل وجبة تقريبا.
واستوردت سوريا خلال السنوات الثلاث الماضية ما معدله أكثر من 1.1 مليون طن من القمح، بحسب تقرير سوريا، الذي يرصد اقتصاد البلاد. وكانت جميع الواردات تقريبا من روسيا، حليف الأسد الحيوي؛ لكن انتشار فيروس كورونا دفع روسيا إلى الحد من صادرات القمح في وقت سابق من هذا العام لحماية إمداداتها المحلية. وقال مسؤول في مؤسسة الحبوب السورية هذا الشهر، إن الشركات الروسية انسحبت من 6 عقود مع سوريا؛ مما قلص إجمالي واردات القمح إلى النصف تقريبا.
تدمير قيمة الليرة
وفي الوقت نفسه، أدت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة الناتجة عن الحرب، وسوء الإدارة، والعقوبات الأميركية، والتأثير غير المباشر للانهيار المالي في لبنان المجاور إلى تدمير قيمة الليرة السورية؛ مما جعل استيراد القمح باهظ التكلفة. كما عطلت الأزمة إنتاج وتسويق المحاصيل.
ويعد القمح تاريخيا أكبر محصول في البلاد؛ لكن الاكتفاء الذاتي لسوريا، وهو حجر الزاوية في سياسة حزب البعث منذ عقود، كان قد تقوّض بسبب الحرب والجفاف.
ومنذ عام 2011، تمزقت البلاد بسبب الحرب الأهلية وعانت المحافظات الثلاث الأكثر ثراء في الأراضي الزراعية -حلب والرقة والحسكة- بشدة من القتال بين الجيش السوري المدعوم من روسيا والمعارضة المسلحة.
وتم تدمير الآلات الزراعية وأصبحت طرق الشحن غير آمنة، بينما ارتفعت تكاليف الإنتاج. ووفقا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، فإن الإنتاج المحلي، البالغ 2.2 مليون طن، ما يزال نصف متوسط ما قبل الأزمة.
العقوبات الأميركية
ولحشد المؤيدين، ألقت حكومة الأسد باللوم على الولايات المتحدة في الأزمة، مشيرة جزئيا إلى تأثير العقوبات الاقتصادية الأميركية. وقد أعاق ذلك قدرة سوريا على استيراد قطع غيار للآلات والمبيدات، كما عطل المعاملات المالية؛ مما قلل من قيمة الليرة السورية، وفاقم الأزمة الاقتصادية الأوسع. وأثرت هذه العقوبات بشدة على واردات الوقود؛ مما أدى إلى ظهور طوابير طويلة من السيارات على الطرق خارج محطات الوقود.
يسخرون من وزير
وظهر وزير التربية والتعليم، دارم الطبّاع، في مقطع فيديو هذا الشهر في حقل به باقة قمح كبيرة، وحث الطلاب على غرس المحصول، قائلا “أنت الآن ترى أهمية حبوب القمح، عندما تقف في طابور للمخابز، وعندما تستيقظ لتناول الإفطار، وعندما تعود إلى المنزل من المدرسة”.
وقوبلت تصريحاته بالسخرية عبر الإنترنت، حيث شعر النقاد بالحيرة من فكرة أن القمح ليس أكثر من نبتة منزلية.
وأشارت بعض التقارير في وسائل الإعلام الموالية للحكومة إلى عدم وجود أزمة خبز على الإطلاق. وقوبلت هذه بالغضب، إذ قال أحد سكان طرطوس، الذي تحدث للصحيفة شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا من الانتقام، إنه غاضب بشكل خاص من الوزراء، الذين “يجلسون هناك يسخرون من الناس، ويعتقدون أن كل شيء على ما يرام”.
المصدر : الجزيرة …….واشنطن بوست